نواكشوط – متسلحا بالعزيمة والإصرار ينزل الشاب عزيز محمياي للأسبوع الثالث على التوالي للميدان ليشارك في مسيرة تجوب شوارع نواكشوط، تواكب حملة افتراضية انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أسابيع تدعو لتحرير مواد البناء من الغلاء والاحتكار.
وعلى جنبات الطريق التي تمر منها المسيرة الاحتجاجية يقف المسن أحمد البالغ من العمر 68 عاما يلوّح بأعلام وشعارات الحملة التي صادفت هوى في نفسه، فقد ظل أحمد لـ20 عاما وهو ينفق على الإيجار 40% من راتبه الشهري.
ويروي للجزيرة نت كيف عانى طويلا من أجل الولوج إلى الملكية العقارية وبناء سكن مهما كانت وضعيته، وكيف أرغمته الحياة على العيش في بيت ضيق وعريش متهالك مع عائلة من 6 أفراد، تصارع من أجل العيش.
يقول أحمد “بسبب قلة العمل وغلاء الإسمنت لم أجد فرصة في شبابي لبناء سكن لائق لعائلتي، أما الآن وأنا في آخر عمري فأتمنى فقط أن لا يحرم أبنائي وأحفادي”.
ويشتكي الموريتانيون منذ سنوات من غلاء العقار والإيجار، وارتفاع حاد في أسعار مواد البناء، وخاصة الإسمنت، الذي يصل سعر طنه الواحد في موريتانيا إلى 180 دولارا، بينما لا يتجاوز سعره في بعض الدول المجاورة 70 دولارا.
وفي نواكشوط وغيرها من المدن الداخلية تنتشر العشوائيات حيث يقطن آلاف السكان الأكواخ الحديدية والخشبية في الوقت الذي تنشط فيه 5 شركات لصناعة الإسمنت في البلاد.
وحسب إحصائيات البنك الدولي، فإن ثلث السكان في موريتانيا لا تتوفر لديهم مساكن لائقة.
واقع مرير، حسب عزيز الناشط في الحراك، دفع الكثير من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إطلاق حملة تدعو إلى تحرير أسعار الإسمنت تحت شعار “تحرير الإسمنت حق وجودي”.
ويقارن النشطاء بين أسعار الإسمنت في موريتانيا وأسعاره في بعض الدول المجاورة، مشيرين إلى أن سعر الطن الواحد في موريتانيا يوازي سعر 3 أطنان في بعض الدول المجاورة وأن تكلفة البيت الواحد في موريتانيا تصل إلى مليوني أوقية (نحو 51 ألف دولار أميركي).
احتكار وغلاء
وبينما يحمّل بعض النشطاء الحكومة مسؤولية الارتفاع الصاروخي -حسب تعبيرهم- للإسمنت، يرى عزيز أن احتكار الإسمنت من طرف بعض رجال الأعمال هو السبب وراء غلاء سعره.
ويقول للجزيرة نت “إن حراكهم سيتواصل افتراضيا وواقعيا حتى يتم كسر هذا الاحتكار الذي أضر بالمواطن وحرمه من بناء سكن لائق، أو إلى أن تصل أسعاره إلى أدنى درجة ممكنة”.
وفي حديثه للجزيرة نت يقول سيد عثمان ولد الشيخ الطالب اخيار مدير الشركة العربية للخدمات العامة إن السبب وراء غلاء الإسمنت يرجع في المقام الأول إلى جشع المصنعين وهيمنتهم على السوق.
ويؤكد أن شركته حينما قررت استيراد هذه المادة من الجزائر خسرت نحو 60 مليون أوقية بسبب المضايقات الجمركية في البلاد.
وينص القانون الموريتاني على ضبط وتنظيم عمليات استيراد هذه المادة بما يحقق التوازن، ولا تضع الدولة أي عراقيل لاستيرادها، لكن وحسب سيد عثمان “فإن مسؤولي بعض القطاعات يستغلون نفوذهم لعرقلة الحق في الاستيراد والقيام بتدابير حمائية وفق مزاج مصنع ما، تكون مخالفة للقانون والنظم المعمول بها”.
موقع رسمي
وأثناء الحملة الشعبية التي ما زالت متواصلة حتى الآن ومنذ أكثر من شهر، قال وزير الاقتصاد عبد السلام ولد محمد صالح عقب اجتماع مجلس الوزراء: “إن كلفة الإسمنت في موريتانيا فعلا تشهد ارتفاعا مقارنة بالدول المجاورة، لكن ذلك يعود لأسباب موضوعية، أبرزها غلاء الطاقة والمادة المصنعة مقارنة بدول الجوار”.
ونفى الناطق الرسمي باسم الحكومة الناني ولد اشروقة أن يكون هناك احتكار في موريتانيا لكن الدولة حسب قوله “تحمي مادة الإسمنت المصنعة محليا كأي منتج آخر ينتج داخل البلاد بدلا من استيرادها”، مضيفا أنه بإمكان أي موريتاني الآن إنشاء مصنع للإسمنت إن أراد.
لكن أغلب النشطاء يقولون إن ما يوجد في موريتانيا ليس مصانع بل مراكز تعليب، لأن المادة الرئيسة في الإسمنت تستورد من الخارج، وإن غالبية الإسمنت المعالج محليا مغشوش في جودته ووزنه.
وحسب سيد عثمان فإن هذه الممارسات: “أثرت على تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع وانتهكت حق المستهلك في الحصول على سوق تنافسية من حيث الجودة والسعر، وطبقت حماية عرجاء غير متوازنة، الهدف منها هيمنة ثلة على سوق الإسمنت والتربح الفاحش على كاهل المواطن دون مراعاة ظروفه المادية”.
أضرار اقتصادية واجتماعية
وتسبب ارتفاع أسعار مواد البناء في توقف الأشغال في بعض المشاريع والإنشاءات الخصوصية وحتى العمومية نتيجة لضعف القوة الشرائية للمواطن.
وحسب سيد عثمان فإن ارتفاع أسعار الإسمنت “حد من التوسع في إنشاء البنية التحتية فالمخصص لتنفيذ مشروعين أصبح بالكاد ينفذ مشروعا، بالإضافة إلى الاضطرابات في تنفيذ المشاريع المجدولة وتأخير الكثير منها إضافة إلى تآكل ميزانية الدولة من خلال عمليات الترميم السنوية بسبب الغش في الجودة”.
أما الأضرار في الجانب الاجتماعي فيتحدث عنها التوسع في بناء العُرُش والأكواخ بدل البيوت الإسمنتية، وقد أصبحت الطبقة الوسطى عاجزة عن امتلاك سكن لائق فما بالك بالفقيرة؟! وفق متابعين.
وفي ظل الظروف السكنية والتحديات التي يعيشها الموريتانيون من الطبقة الوسطى والفقيرة لتوفير السكن، يرى كثير من الخبراء أن الحل يتطلب تشديد المراقبة وضبط وتحرير سوق مواد البناء وفتح المجال أمام رجال الأعمال لاستيراد الإسمنت لخلق منافسة في الجودة والأسعار.