رغم الإعلان عن قرب انطلاق أول شحنة غاز طبيعي مسال من موريتانيا منذ الشهر الماضي، لم تغادر الناقلة البريطانية “بريتش سبونسر” (British Sponsor) الميناء حتى الآن، مما أثار تساؤلات حول أسباب هذا التأخير، خاصة في ظل أزمة تسرب الغاز التي شهدها مشروع تورتو أحميم الكبير مؤخراً.
وكشف مصدر مطلع، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة (مقرّها واشنطن)، أن السفينة ما تزال في وضعية الشحن، وهو ما أرجعه إلى طاقتها الاستيعابية الكبيرة التي تبلغ 178 ألف متر مكعب، مؤكدًا أن التحميل جارٍ ولكن بوتيرة أبطأ من المتوقع.
وفيما يتعلق بعلاقة تسرب الغاز الأخير من حقل تورتو أحميم بهذا التأخير، أوضح المصدر أن الفرق الفنية صنفت التسرب بأنه ضئيل وتأثيره محدود، مشددًا على أنه لم يؤثر في إمدادات الغاز القادمة من البئرين اللتين دخلتا حيز التشغيل الفعلي.
تفاصيل الشحنة الأولى
وأعلنت موريتانيا عن البدء في تحميل أولى شحنات الغاز المسال الموريتاني يوم 24 فبراير 2025، بكمية تصل إلى 0.076 مليون طن، لكن لم يتم تحديد وجهتها النهائية بعد.
وكانت شركة كوزموس إنرجي الأميركية، المشاركة في تطوير حقل تورتو أحميم، قد توقعت أن تصل هذه الشحنة إلى وجهتها قبل نهاية مارس/آذار الجاري.
تحديات فنية تواجه المشروع
يعد مشروع تورتو أحميم الكبير أحد أكثر المشاريع تعقيدًا من الناحية التقنية، إذ يقع في منطقة بحرية عميقة، على عمق يزيد عن 2,850 مترًا تحت سطح البحر، وعلى بعد 120 كيلومترًا مربعًا من الساحل الموريتاني.
وقد تطلب تطوير الحقل إنشاء شبكة أنابيب متشعبة تمتد لمسافات طويلة، إلى جانب بناء منشآت معالجة وتخزين، فضلًا عن محطة إسالة غاز عائمة.
وبحسب مصدر في وزارة الطاقة الموريتانية، فإن تشغيل هذه المنظومة المتكاملة واجه بعض الصعوبات الفنية المعتادة في المراحل الأولى، إلا أن الفرق التقنية تعمل على تجاوزها تدريجيًا.
التسرب وتأثيره على الإنتاج
تعرض الحقل في نهاية فبراير/شباط الماضي لأزمة تسرب غاز من إحدى آبار الاستخراج، مما استدعى تدخلًا عاجلًا من المشغلين.
وقد وصلت إلى مطار نواكشوط الدولي طائرة شحن عملاقة تحمل معدات متخصصة من الولايات المتحدة للمساعدة في احتواء التسرب، فيما تولى فريق فني كبير تثبيت رأس أنبوب جديد على البئر “A02″، لضمان استقرار الإنتاج وتأمين إمدادات الغاز إلى محطة الإسالة.
نظرة على مشروع تورتو أحميم
تم اكتشاف حقل تورتو عام 2015، ثم تبعه اكتشاف حقل أحميم في 2016، قبل أن يتم حفر أول بئر في المشروع عام 2019.
وتُقدر احتياطيات المشروع بنحو 15 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، مما يؤهل موريتانيا لدخول سوق تصدير الغاز المسال عالميًا لأول مرة.
وتتولى شركة بي بي البريطانية تشغيل المشروع بحصة 56%، فيما تمتلك كوزموس إنرجي نسبة 27%، بينما تتقاسم الشركة الموريتانية للهيدروكربونات وشركة النفط الوطنية السنغالية بتروسين، النسبة المتبقية بواقع 10% و7% على التوالي.
وتخطط بي بي لتطوير المشروع على ثلاث مراحل، حيث تستهدف المرحلة الأولى إنتاج 2.5 مليون طن سنويًا، على أن يرتفع الإنتاج إلى 5 ملايين طن في المرحلة الثانية، ثم 10 ملايين طن بحلول المرحلة الثالثة.
آفاق التصدير والمخاوف المستقبلية
مع دخول موريتانيا سوق الغاز العالمية، تبرز تساؤلات حول قدرتها على ضمان استقرار الإنتاج والوفاء بالتزاماتها التصديرية في ظل التحديات التشغيلية والفنية.
ورغم التأخير الحالي، فإن مصادر من داخل المشروع تؤكد أن العمليات تسير وفق خطة تدريجية لضمان التشغيل الآمن والمستدام على المدى الطويل.
وفي ظل الطلب المتزايد على الغاز المسال عالميًا، خصوصًا في أوروبا وآسيا، فإن قدرة موريتانيا على تأمين حصتها السوقية ستعتمد على نجاح المرحلة الأولى من المشروع ومدى تجاوب السوق مع الشحنات القادمة.