كنا قد كتبنا منذ سبعة أشهر، على أثر اغتيال صالح العاروري، النائب السابق لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في 02 من يناير الماضي في حي الضاحية في بيروت، كتبنا أن حزب الله مخترَقٌ من طرف المخابرات الإسرائيلية والأمريكية. وكررناها بعد ذلك مرارا، مشددين على تنامي التهديد، ومضيفين أن حماس ليست في مأمن منه. (انظر: “تحرير الرهائن الإسرائيليين، والمنعرج في التعاطي مع الاختراق المعادي“).
فها هي المصادر الإعلامية تفيد منذ صباح اليوم أن حزب الله يجري الآن حملة اعتقالات داخله تطال مسؤولين كبار في الحزب واجهزته الأمنية. وحسناً فعل، عسى العملية تساهم بصورة فعالة في تحييد العملاء المندسين في صفوفه.
ويتبين بجلاء أن حماس، هي وفصائل المقاومة المسلحة الفلسطينية، معنية هي الأخرى، كما أسلفنا، بأجراء عمليات أمنية داخلية مماثلة، تتطلبها مواجهة محاولات الاغتيال والتحييد التي تقوم بها المخابرات والقوات الإسرائيلية وحلفاؤها ضد قادة الحركة وأطرها وضد منظومتها العسكرية بصورة عامة. كما يدل على ذلك المحاولات العسكرية، الفاشلة أو الناجحة، التي تم الإعلان عنها من اجل تحرير رهائن، أو من أجل تصفية قادة كبار مثل: صالح العاروري، يحيا السنوار، محمد الضيف، فؤاد شكر، رافع سلامة، هيثم البليدي… وغيرهم. أدام الله وعزَّز سلامة الناجين، واسكن الشهداء فسيح جناته.
وكذلك، فيما يتعلق بأكبر حليف لفصائل المقاومة المناوئة لإسرائيل، فإنه يَظهر جلياً من المعلومات الأولية، التي صدرت عن الحرس الثوري حول ظروف اغتيال إسماعيل هنية– تغمده الله برحمة الواسعة- أن الحليف الإيراني في حاجة ماسة إلى تنشيط وتحسين أداء اجهزة مخابراته المضادة. ففعلا، المصادر الإيرانية السابقة الذكر قالت إن رئيس المكتب السياسي لحماس قُتل بمقذوف “قصير المدى”، أي أنه أطلق من مسافة قريبة من محل تواجد الهدف. وسبق أن ذكرت مجلة نيويورك تايمز أنه قُتل بواسطة قنبلة زُرعت منذ ما يزيد على شهرين في مقر إقامته بطهران. لكن مدة شهرين المذكورة غير معقولة، ويكاد يكون من المستحيل تصديقها، (انظر:”حول السبل المؤدية إلى تصفية إسماعيل هنية“).
إلا أن ما ذهبت إليه المجلة، بغض النظر عن زمانه وتاريخه، يتقاطع مع بيان الحرس الثوري في نقطة مثيرة للقلق حول التهديدات المعادية الداخلية: عملية الاغتيال تم تنفيذها بأيادي داخلية في إيران. وهذا يستدعي من سلطات البلد أن تعمل بعزم وحزم على “تنظيف” أجهزتها الوطنية، الأمنية والعسكرية، من العملاء المندسين.
ومن البديهي أن هذا الأمر يشكل أولوية يتوقف عليها بنسبة عالية نجاح أو فشل العمليات العسكرية الإيرانية. ونعتقد أن أي تصرف جديد من جانب إيران في هذا المنحى، سوف يشكل لا محالة أحد مكونات ردة الفعل العسكرية المنتظرة منها ضد إسرائيل، ولو أنها قد لا تُفصح عن هذا الجانب إلا قليلا. والأمر مستعجل، ويستدعي في نفس الوقت تنفيذ خطط متغيرة باستمرار. وطبعا لدى إيران خبرة لا يُستهان بها في المجال، بوصفها قوة إقليمية وازنة في المنطقة. ونراهن على أنها بدأت تُسابق الزمن من أجل كشف الخلل في منظوماتها الأمنية بغية التحيين الفوري والمستمر في استراتيجياتها الاستخباراتية، خاصة في مجال الاستخبارات المضادة.
كما نراهن على أن حلفاءها، في فلسطين ولبنان، في العراق وسوريا، يشعرون بنفس الضرورة المتمثلة في علاج فوري للاختراقات المعادية بوصفها تحديا داخليا، ملحا ودائما، يجب عليهم رفعه باستمرار. ولا يخامرنا شك في أنهم يتعاونون وينسقون، بشكل أو بآخر، فيما بينهم ومع إيران لمواجهة هذا النوع من التهديدات الداخلية.
وهكذا تتواصل دوامة الصراع بين الاستخبارات والاستخبارات المضادة للأطراف المتحاربة.
وكذلك في زمن وظروف السلم، فإنها لا تتوقف. حتي بين الحلفاء والأصدقاء: كل طرف يريد أن يحصل على اكبر قدر ممكن من المعلومات عن غيره تساعده على نيل أكبر قسط من الفائدة عبر اختراقه مكامن السر عند شريكه.
ومن المعروف أن لدى إسرائيل سجلا حافلا بعمليات التجسس على “العم سام”- حاميها الأول- وعلى حلفائها الغربيين. ولا يرتابنا أدنى شك في أن سياسات “التطبيع” تخلق مناخا سياسيا ملائما لاختراقها المنظومات الأمنيةَ في العالم العربي والإسلامي، ولا نعتقد أن العكس صحيح تماما. مما يقتضي من هؤلاء ان يأخذوا حذرهم للحيلولة دون الإضرار بآليات وأدوات أمنهم من داخلها، ويقتضي من المقاومة الفلسطينية وانصارها في العالم العربي، وعبر العالم أجمع، أن يعملوا، بالطرق والأدوات المواتية، على هذه الجبهة الواسعة الخارجة عن النطاق الجغرافي لساحة القتال في فلسطين المحتلة وضواحيها الساخنة في لبنان وسوريا والعراق… أي: أن يواجهوا سياسيا وفكريا الاختراق الصهيوني للأنظمة والمجتمعات العربية وغير العربية.
وتشكل حركة الشارع في الدول الغربية وفي الكثير من جامعاتها المتميزة ومؤسساتها، المناوئة لحرب الإبادة والجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، خطوة كبيرة في هذا السبيل. ولا شك أن المخابرات الإسرائيلية واللوبيات الصهيونية و”المتصهيينة”، الداعمة لها، تعمل جاهدة من أجل اختراق وإضعاف هذا الحراك العالمي الغير مسبوق. مما يزيد كثيرا من اتساع ساحة المعركة بين أنصار القضية الفلسطينية واعدائها على أصعدة كثيرة: جغرافية، استخباراتية، فكرية، سياسية… وكأننا نعيش عولمة من نوع جديد، تغذيها وتحركها ردود الفعل المتزايدة على الساحة الدولية، دعما للقضية الفلسطينية، واحتكاكا مع يعترض سبيلها من اشواك وعقبات يزرعها الطرف الآخر.
عقيد (متقاعد) البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)