كشف الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، خلال جلسة محاكمته أمام الغرفة الجزائية الجنائية بمحكمة الاستئناف في نواكشوط اليوم الثلاثاء، أنه قام بسحب شبكة الاتصالات الحكومية المغلقة من شركة موريتل بعد وصوله للسلطة، مبررًا ذلك بـ”أسباب أمنية”.
وأوضح أن الشركة كانت تهيمن على شبكة الاتصالات المغلقة الخاصة بالحكومة، ما يعني – وفق تعبيره – “تحكمها في مختلف تسجيلات الحكومة السرية”، مُشيرًا إلى أنه اتخذ القرار بعد تأكده من “قيام موريتل ببيع معلومات حكومية خاصة”.
كما أشار إلى تحرير مبان حكومية كانت تحت سيطرة الشركة، من بينها مبنى المحكمة العليا ومبنى سلطة التنظيم، واصفًا عملية خصخصة شركة موريتل بأنها تمت بمبلغ 10 ملايين دولار فقط.
اتهامات بالفساد واستهداف سياسي
وفي معرض دفاعه، اعتبر ولد عبد العزيز أن محاكمته تندرج ضمن ما وصفه بـ”الاستهداف السياسي”، نافيًا أن تكون القضية مبنية على اعتبارات قانونية. وقال: “أنا السجين السياسي الوحيد في تاريخ البلاد الذي يُمنع من حقه في الزيارة، سواء من أسرته أو من السياسيين المقربين”، مؤكدًا أنه تقدم بـ16 طلبًا للحصول على حرية مؤقتة قوبلت جميعها بالرفض.
وأشار إلى أنه خضع لإقامة جبرية مشددة لمدة 9 أشهر في منزله، وهي سابقة لم تحدث من قبل، مضيفًا: “أنا الوحيد منذ الاستعمار الذي تعرض لهذه الإجراءات، والوحيد من بين 300 شخص متهم في هذا الملف الذي أُودع السجن قبل المحاكمة وأُدين لاحقًا”.
تركيز على شخصيات سياسية بارزة
ركز الرئيس السابق خلال حديثه على شخصيات بارزة، أبرزهم الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، مشيرًا إلى أن أكثر من 70% من ثروته مصدرها ولد الغزواني، قائلاً: “هو من أحضر لي أكثر من 10 ملايين يورو ودولار إلى منزلي”.
وتطرق إلى حديث دار بين ولد الغزواني وكلٍّ من أحمد ولد داداه ومحمد ولد مولود حول مطالبتهما بمحاكمته، حيث أكد أن ولد الغزواني رد عليهما بأنه يعرف مصدر ثروة ولد عبد العزيز.
كما ذكر أن النائب بيرام ولد الداه كان جزءًا من تلك المطالبات، وهو ما نفاه بيرام لاحقًا.
وتحدث ولد عبد العزيز عن فساد مزعوم في صفقة ميناء انجاكو العسكري، مشيرًا إلى أن تكلفته التي عُرضت عليه بلغت 500 مليون دولار وتمكن من تخفيضها بـ80 مليون دولار (نحو 32 مليار أوقية قديمة)، متهمًا الحكومة الحالية ورئيسها بالتورط في ملفات الفساد.
اتهامات بانتقائية التحقيق وتصفية الحسابات
انتقد ولد عبد العزيز لجنة التحقيق البرلمانية، معتبرًا أنها “غير دستورية” وجرى تشكيلها لـ”استهدافه شخصيًا”. واتهم بعض أعضائها بتصفية حسابات قديمة معه، قائلًا إن بعضهم كان يواجه مشاكل شخصية أو مهنية معه خلال فترة حكمه.
وأضاف أن اللجنة، التي شكلها برلمان 2018، ركزت على ملفات تعود إلى سنوات 2008 و2009، مضيفًا: “كيف يُعقل أن يحقق أشخاص قُصّر حينها في قضايا لا يعرفون عنها شيئًا؟”.
ملفات المدارس واتهامات جديدة
وفي ملف بيع المدارس، نفى ولد عبد العزيز مسؤوليته المباشرة عنه، مشيرًا إلى أن المسؤولية تقع على عاتق وزير المالية ومحافظ البنك المركزي حينها، حيث قال إن لجنة ترأسها محافظ البنك المركزي الحالي محمد الأمين ولد الذهبي، كانت وراء الصفقة.
كما تطرق إلى ملف الأراضي، متسائلًا عن مدى شرعية منح 20 ألف متر مربع لمستشفى العيون في لكصر، في حين لم يستخدم المستشفى سوى 2000 متر مربع فقط، بينما بيع الجزء الأكبر للبنك الدولي. واعتبر أن هذه الممارسات هي “الفساد الحقيقي”.
محاربة الفساد والتلاعب بالقانون
اتهم ولد عبد العزيز وكيل الجمهورية السابق أحمد عبد الله المصطفى بالتلاعب بالقوانين، مشيرًا إلى أنه حفظ شكاوى كان قد تقدم بها بعد مغادرته للسلطة، استنادًا إلى المادة 93 من الدستور، قبل أن يتراجع عن ذلك لاحقًا.
كما تحدث عن إلغاء صفقات كهرباء “الجهد العالي” بين نواكشوط ونواذيبو، حيث أوقف ما وصفه بـ”فساد عصابة” كانت تضم ثلاثة نواب وعضوًا في مجلس الشيوخ ومالك بنك، لافتًا إلى تورط أحد مديري وزارة الطاقة في تمرير معلومات لصالح هذه الصفقة.
إنجازاته الاقتصادية مقارنة بالحكومة الحالية
وفي معرض المقارنة بين فترة حكمه والحكومة الحالية، قال ولد عبد العزيز إن ميزانية الدولة عند مغادرته السلطة عام 2019 كانت 580 مليار أوقية قديمة، وكانت ميزانية الاستثمار تفوق ميزانية التسيير، مما مكّن من إنجاز مشاريع في مجالات المياه والكهرباء والمطارات والطرق والجامعات.
وواصل نقده بالقول إن ميزانية الدولة الآن تضاعفت لتبلغ 1300 مليار أوقية قديمة، ومع ذلك لم يتم إنجاز أي شيء، واصفًا ذلك بـ”الفساد الحقيقي”.
واختتم ولد عبد العزيز مداخلته بتجديد التحدي لإثبات أي تهمة من التهم الموجهة إليه، مُتهمًا خصومه بـ”محاولة تشويه تاريخه” ومُذكرًا أن نسبة كبيرة من أمواله مصدرها الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، كما كرر نفيه للتهم المتعلقة ببيع المدارس والفساد.
وتستمر محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، حيث ينتظر أن تبدأ المحكمة غدًا في مساءلته حول التهم الموجهة إليه، بحضور ممثلي الادعاء والدفاع.