في صبيحة يوم الأربعاء الماضي، استيقظ الموريتانيون على الخبر الفاجعة… براعم تفتحت للتو قضت في صمت على أديم الشرف والتضحية في المدرسة العسكرية للطيران.. كنت، على غرار رفاق السلاح، بل وعموم الشعب الموريتاني، تحت هول الصدمة، كان جرحا غائرا في وجدان أمة ناحت من أقصاها إلى أقصاها..
في مسجد ابن عباس، حاولت جاهدا شق صفوف المعزين للوصول إلى ذوي الشهداء، لتأدية واجب العزاء.. فكان لي لقاء مع أم لا ككل الأمهات، إنها امرأة من طينة العظماء، إذ كيف لأم مكلومة أن تحافظ على هذا الثبات ورباطة الجأش، في وجه مصيبة بحجم فقد فلذة كبدها في حادث مأساوي… تحدثت بثبات قبالة الجثمان الطاهر المسجى لتعطي دروسا في الإيمان والاحتساب والتسليم بالقدر… عن قيمة التضحية ومعنى الإيثار، عن اعتزازها بالجيش الوطني “مصنع الرجال”.. لقد لاحت بخاطري، وأنا مطرق أثناء لحظة نفسية حبلى بالمعاني النبيلة، أسماء نساء عظيمات كأسماء بنت أبي بكر الصديق حينما وقفت أمام بقايا رفات ابنها المصلوب عبد الله ابن الزبير، وقالت بثبات :”أما آن لهذا الفارس أن يترجل..”، أو كعيشه بنت احمد ولد اعلي أم الأمير المجاهد الشهيد سيداحمد ولد احمد ولد عيده، وهي تقدم درسا في الشجاعة والإيمان أمام مشهد الرأس المقطوعة…
رغم هيبه المقام ورهبة الرحيل المفاجئ، نسيت هذه المربية للحظة أنها أم ثكلى، لتؤدي بامتياز دور المربية الذي حدثوني لاحقا أنها طالما أتقنته.. فقد عبرت عن اعتزازها بمن ضحى بنفسه، من وجَّه مقود طائرته المتهاوية بعيدا عن أحياء المدينة، لينقذ مواطنين آمنين في بيوتهم ويفديهم بنفسه وليختار ميتة الأبطال … ذلك هو الحرث الذي أثمر وأينع، وهو عزاؤها فيه، وعزاؤنا في مَثلٍ أعلى للتضحية والفداء، مرّ بنا وترك هذا الأثر…

اترك تعليقاً

Exit mobile version