أفتى العلامة الأصولي الشيخ ول ابه ول حرمه ول عبد الجليل، بأن صيام يوم عرفة يجب أن يُراعى فيه اختلاف المطالع، وأن يُبنى على رؤية الهلال في كل بلد على حدة، لا على يوم وقوف الحجاج بعرفة في المملكة العربية السعودية.
وأكد الشيخ في فتوى مكتوبة أن العمل الجاري اليوم في مختلف البلاد الإسلامية، والمبني على استقلال كل قطر برؤيته للهلال، هو الموافق للقواعد الشرعية ومقتضى الأدلة، مشيرًا إلى أن القول بأن “الوقوف بعرفة يجعل يوم عرفة واحدًا لجميع المسلمين” غير صحيح من جهة الأصول.
واستند الشيخ إلى أقوال أئمة المذهب المالكي كالقرافي في “الذخيرة” و”الفروق”، الذي نصّ صراحة على أن لكل قوم هلالهم، كما هو حال الفجر وسائر المواقيت المرتبطة بالمكان والزمان. كما استشهد بحديث ابن عباس في “صحيح مسلم”، الذي يؤكد استقلال أهل المدينة برؤيتهم رغم صيام أهل الشام مبكرًا برؤية أخرى.
وشدد الشيخ ولد آبه على أن القول بأن صوم يوم عرفة مرتبط بالمكان غير دقيق، لأن ميقاته شرعًا زماني (وهو اليوم التاسع من ذي الحجة بحسب رؤية كل بلد)، وليس مكانيًا كالوقوف بعرفة، والذي يُشترط فيه أن يقع تحديدًا يوم التاسع، وإلا لم يُجزئ الحجاج، كما نص عليه علماء المالكية.
كما ردّ الشيخ على من يقول إن يوم الجمعة المقبل سيكون “يوم شك”، موضحًا أن هذا الوصف لا يصح، لأن يوم الشك في الفقه المالكي محدد بشروط، منها أن تكون السماء مغيّمة ليلة الثلاثين، وأن يُحدث بالرؤية من لا تقبل شهادته. أما ثبوت الهلال في بلد آخر فلا يوجب الشك في بلدنا، نظرًا لتباعد الأقطار، وهو ما نقله ابن عبد البر عن جمهور العلماء.
واختتم الشيخ فتواه بالقول إن المذهب المالكي، وإن اشتهر باعتبار “عموم الرؤية”، إلا أن هذا مقيد بعدم التباعد الشديد بين البلدان، مؤكدًا أن بلادنا بعيدة عن مكة، فلا يشملها هذا العموم، ولا يلزمها اعتبار رؤية غيرها.
النص الكامل للفتوى:
نازلة اليوم
جواب العلامة الأصولي الشيخ ول ابه ول حرمه ول عبد الجليل
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال بخصوص نازلة الوقت
شيخنا الكريم:
دائما في هذه الأيام يشوش علينا الناس بصيام يوم عرفة، فبعضهم يقول إن صومه باعتبار المكان ، لأن وقوف الحجاج يتعلق بمكان واحد في الدنيا كلها. وهم سيقفون بعرفة يوم الخميس ، وبعضهم يقول إن يوم الجمعة سيكون يوم شك وخليل يقول في مختصره :”كشكه في يوم عرفة هل هو العيد”.
فما رأيكم شيخنا الكريم؟
الجواب : جرى العمل اليوم في البلاد الإسلامية بأن لكل أهل بلد رؤيتهم ،، وهذا العمل هو الموافق لقاعدة الشرع في المواقيت ،والجاري على مقتضى أدلته
قال القرافي في الذخيرة : ومقتضى القاعدة أن يخاطب كل أحد بهلال قطره ، ولا يلزمه حكم غيره ، ولو ثبت بالطرق القاطعة ، وﺇﻟﻰ ﻫﺬا ﺃﺷﺎﺭ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﺑﻘﻮﻟﻪ : باب ﻷﻫﻞ ﻛﻞ ﺑﻠﺪ ﺭﺅﻳﺘﻬﻢ” انتهى
وقال أيضا في كتابه الفروق : وإذا كان الهلال يختلف باختلاف الآفاق وجب أن يكون لكل قوم رؤيتهم كما أن لكل قوم فجرهم وغير ذلك من أوقات الصلاة ، وهذا حق ظاهر وصواب متعين ، وأما وجوب الصوم على جميع الأقاليم برؤية الهلال بقطر منها فبعيد عن القواعد والأدلة لم تقتض ذلك فاعلمه ” انتهى
فالأدلة الشرعية تقتضي أن لكل أهل بلد رؤيتهم ، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن كريب أن ﺃﻡ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺎﺭﺙ، ﺑﻌﺜﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑاﻟﺸﺎﻡ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺪﻣﺖ اﻟﺸﺎﻡ، ﻓﻘﻀﻴﺖ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ، ﻭاﺳﺘﻬﻞ ﻋﻠﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻭﺃﻧﺎ ﺑﺎﻟﺸﺎﻡ، ﻓﺮﺃﻳﺖ اﻟﻬﻼﻝ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﺛﻢ ﻗﺪﻣﺖ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ اﻟﺸﻬﺮ، ﻓﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ، ﺛﻢ ﺫﻛﺮ اﻟﻬﻼﻝ ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺘﻰ ﺭﺃﻳﺘﻢ اﻟﻬﻼﻝ؟ ﻓﻘﻠﺖ: ﺭﺃﻳﻨﺎﻩ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻧﺖ ﺭﺃﻳﺘﻪ؟ ﻓﻘﻠﺖ: ﻧﻌﻢ، ﻭﺭﺁﻩ اﻟﻨﺎﺱ، ﻭﺻﺎﻣﻮا ﻭﺻﺎﻡ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ، ﻓﻘﺎﻝ: ” ﻟﻜﻨﺎ ﺭﺃﻳﻨﺎﻩ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺴﺒﺖ، ﻓﻼ ﻧﺰاﻝ ﻧﺼﻮﻡ ﺣﺘﻰ ﻧﻜﻤﻞ ﺛﻼﺛﻴﻦ، ﺃﻭ ﻧﺮاﻩ، ﻓﻘﻠﺖ: ﺃﻭ ﻻ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺮﺅﻳﺔ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻭﺻﻴﺎﻣﻪ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﻻ، ﻫﻜﺬا ﺃﻣﺮﻧﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ “
وقد نص الفقهاء أن الناس إذا جرى عملهم بما له مستند شرعي صحيح لا يشوش عليهم بذكر المشهور ، مع أن مشهور المذهب من عموم الرؤية مقيد بعدم تباعد الأقطار جدا وقد نقل هذا القيد شراح المختصر عند قول خليل : وعم إن نقل بهما “
قال الحطاب في مواهب الجليل : ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﺮﻓﺔ : ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﻤﺮ: ﻭﺃﺟﻤﻌﻮا ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﻟﺤﻮﻕ ﺣﻜﻢ ﺭﺅﻳﺔ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﺎﻷﻧﺪﻟﺲ ﻣﻦ ﺧﺮاﺳﺎﻥ “
وفي حاشية البناني : لكن بشرط عدم البعد جدا كما لأبي عمر ابن عبد البر “
ولا شك أن بلادنا بعيدة جدا فلا يتناولها عموم الرؤية على مقتضى القيد الذي ذكره ابن عبد البر وحكى عليه الإجماع ، وقول البعض إن صوم عرفة عبادة متعلقة بالمكان غير صحيح ، لأن ميقات الصوم زماني لا مكاني ، وزمانه هو اليوم التاسع من ذي الحجة ، ولكل أهل بلد تاسعهم ، وأما الوقوف فميقاته مكاني وزماني ، ولهذا لو وقف الحجاج بعرفة ثم تبين لهم بعد ذلك أنهم وقفوا قبل اليوم التاسع فحجهم غير مجزئ كما أشار إليه المختصر بقوله : ﺃﻭ ﺃﺧﻄﺄ اﻟﺤﺞ ﺑﻌﺎﺷﺮ ﻓﻘﻂ “
قال الحطاب في مواهب الجليل : ﻭاﺣﺘﺮﺯ ﺑﻘﻮﻟﻪ: ﻓﻘﻂ ” ﻣﻤﺎ ﺇﺫا ﻭﻗﻔﻮا ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻣﻦ، ﻓﺈﻥ ﻭﻗﻮﻓﻬﻢ ﻻ ﻳﺠﺰﺋﻬﻢ، ﻭﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻣﻦ اﻟﻤﺬﻫﺐ “
و قول البعض إنه سيكون يوم شك غير صحيح أيضا ، لأن يوم الشك عند المالكية هو أن تكون اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻐﻴﻤﺔ ﻟﻴﻠﺔ ﺛﻼﺛﻴﻦ ، ﻭﺗﺤﺪﺙ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺮﺅﻳﺔ ﻣﻦ ﻻ تعتبر شهادته لوجود مانع فيه كالفسق كما أشار إليه المختصر بقوله : ﻭﺇﻥ ﻏﻴﻤﺖ ﻭﻟﻢ ﻳﺮ ﻓﺼﺒﻴﺤﺘﻪ ﻳﻮﻡ اﻟﺸﻚ “
وعكس الشافعية فقالوا يوم الشك هو ﺻﺒﻴﺤﺔ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﺇﺫا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﺻﺤﻮا ﻭﺗﺤﺪﺙ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺮﺅﻳﺔ ﻣﻦ ﻻ تعتبر شهادته لوجود مانع فيه كالفسق ،وأما إذا كانت مغيمة فليس يوم شك “
وقد اعتمد هذا التفسير بعض أهل المذهب ،وعلى كلا التفسيرين لا بد أن يتحدث بعض أهل البلد برؤية الهلال ، ويكون من تحدث بها لا تثبت به الرؤية ، وأما ثبوت رؤيته في بلد آخر فلا يوجب كونه يوم شك في بلدنا لأنه لكل أهل بلد رؤيتهم ، لا سيما مع تباعد الأقطار كما حكى ابن عبد البر عليه الإجماع.