قدم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أمام الغرفة الجزائية الجنائية بمحكمة الاستئناف في نواكشوط رواية تفصيلية حول خلافه مع الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، كاشفاً عن سلسلة من الاتصالات واللقاءات التي جمعت بينهما بعد مغادرته السلطة عام 2019، مسلطاً الضوء على تطورات الأزمة التي وصفها بأنها نتيجة تدخلات سياسية وتجارية موجهة لاستهدافه.
الخلاف حول الحزب: البداية والتوتر
أكد ولد عبد العزيز أن علاقته مع ولد الغزواني ظلت ودية في البداية، حيث كان الأخير – بحسب روايته – يبادر بالاتصال به بشكل دائم، سواء خلال فترة وجوده في الخارج أو بعد عودته إلى البلاد. وأضاف أن أحد اللقاءات المهمة بينهما جرى في القصر الرئاسي بعد صلاة المغرب، حيث ناقشا وضع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
وأوضح ولد عبد العزيز أنه شدد خلال هذا اللقاء على ضرورة ترك الحزب يتبع نهج الشفافية، مشيراً إلى أنه سبق وأن شكّل لجنة برئاسة سيدنا عالي ولد محمد خونه لتسيير الحزب بعد انتخابات داخلية شفافة. وأكد أنه طلب من ولد الغزواني احترام هذا النهج، معتبراً أن الحزب يجب أن يكون وطنياً بعيداً عن التجاذبات الشخصية.
وأشار إلى أن ولد الغزواني كان يحاول إدخال مجموعات من داعميه من أحزاب سياسية أخرى مثل “عادل”، و”التكتل”، و”تواصل” إلى الحزب، وهو ما رفضه ولد عبد العزيز بشدة، لافتاً إلى أن ولد الغزواني اعتبر الحزب “حزب الدولة”. ورد ولد عبد العزيز على ذلك قائلاً: “نهيتك عن هذا الحديث، وأشرتُ إلى أن دولاً أخرى تتجنب الظهور بمظهر الحزب الوحيد”.
آخر مكالمة: عرض ورفض
تحدث ولد عبد العزيز عن آخر مكالمة جرت بينهما بعد عودته إلى المنزل عقب اللقاء، واستمرت نحو 35 دقيقة. وأوضح أن ولد الغزواني عرض عليه خلالها أن يتولى هو تعيين شخص لرئاسة الحزب، على أن يتركه بعد ذلك لولد عبد العزيز لإدارته كيفما يشاء. غير أن ولد عبد العزيز رفض هذا العرض بقوة، قائلاً إن مثل هذا التصرف سيُفسد الحزب، ورد عليه غزواني – وفق ما نقل – بالقول: “الحزب خسارة في الخسارة”.
وأضاف أن الخلاف بينهما تصاعد بعد ذلك، مع تركيزه على أن ولد الغزواني لم يلتزم باقتراحه بحصر الخلاف بينهما في إطار ثنائي، مما أدى إلى اندلاع أزمة “مرجعية الحزب” وتصاعد الاجتماعات القبلية والجهوية حولها.
رسالة غير مقروءة ووسطاء اتصال
وأشار ولد عبد العزيز إلى رسالة تلقاها عبر تطبيق “واتساب” من ولد الغزواني قبل ذكرى الاستقلال في 28 نوفمبر 2019، لكنّه لم يفتحها حتى الآن. وذكر أن الرسالة تضمنت سؤالاً عن مكان وجوده ورغبة ولد الغزواني في اللقاء به.
كما أوضح أن ولد الغزواني أرسل أحد أعضاء حكومته للتواصل معه في باديته بمدينة بنشاب. وخلال هذا اللقاء، أبلغ ولد عبد العزيز الموفد أن التفاهم بينهما غير ممكن طالما أن أشخاصاً معينين يديرون الأمور، قائلاً: “إذا أخرجهم من المشهد، يمكن أن نناقش، وإلا فاتركوني في باديتي”.
بوعماتو ودور المال والتجارة
اتهم ولد عبد العزيز رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو بالتدخل المباشر في ما وصفه بمسار استهدافه، لافتاً إلى أنه بعد الموفد الحكومي تدخلت جهات مالية وتجارية لإضعافه، وأشار بالاسم إلى بنك GBM ومجموعته.
وخلال الجلسة، قاطعه أحد محامي الطرف المدني بتعليق غير مسموع، ما دفع ولد عبد العزيز إلى اتهامه بتمثيل مصالح ولد بوعماتو، وذكره بالاسم بعد أن كان يشير إليه ضمنياً.
لجنة التحقيق البرلمانية: “أداة لتصفية الحسابات”
تحدث ولد عبد العزيز عن كواليس تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية التي اعتبرها أداة استُخدمت لاستهدافه. وروى تفاصيل اجتماع عُقد في القصر الرئاسي الليلة التي سبقت قرار تشكيل اللجنة، بحضور ولد الغزواني، الوزير الأول إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا، مدير الديوان محمد أحمد ولد محمد الأمين، وزير الطاقة محمد ولد عبد الفتاح، ورئيس فريق الحزب الحاكم النائب احبيب ولد اجاه.
وقال ولد عبد العزيز إن ولد الغزواني بدأ الاجتماع قائلاً: “إذا كانت مهمتكم إثارة الخلاف بيني وولد عبد العزيز، فتوقفوا، فهذا المسار محكوم بالفشل”. لكنه أضاف أن رئيس الفريق البرلماني أعلن لاحقاً تشكيل لجنة التحقيق رغم أن ولد الغزواني أمر بإيقاف ذلك المسار خلال الاجتماع.
وأشار ولد عبد العزيز إلى مكالمات مسربة ظهرت لاحقاً، تتعلق بتوزيع أموال على برلمانيين، وقال إنه استُدعي للتحقيق بشأنها، لكن الملف أغلق دون إجراءات إضافية.
المضايقات والضغوط
اتهم ولد عبد العزيز السلطات بممارسة ضغوط عليه، مثل قطع راتبه وقطع الكهرباء عن منزله في لكصر. وذكر أن الشركة الوطنية للكهرباء “صوملك” غرّمته بمبلغ 12 مليون أوقية قديمة، رغم أن المنزل كان لا يزال قيد الإنشاء أثناء مغادرته السلطة عام 2019.
وأضاف أن مدير “صوملك” حينها انتقم منه بسبب إقالته له أثناء إدارته الشركة الوطنية للماء، متهماً إياه بالفساد.
تصعيد سياسي يفتح فصولاً جديدة
وخلص ولد عبد العزيز في حديثه أمام المحكمة إلى أن استهدافه كان جزءاً من خطة مدروسة، بمشاركة جهات سياسية وتجارية، بالإضافة إلى وسائل الإعلام والمعارضة.
واعتبر أن الأحداث التي عاشها بعد مغادرته السلطة ليست مجرد خلافات سياسية، بل حملة شاملة لتشويه سمعته وإضعاف نفوذه السياسي.